الحبة السوداء.. شفاء من كل داء
تلقى المسلمون أحاديث الحبة السوداء
بالقبول واختلف العلماء في شرحها: فمن قائل بأن عموم الشفاء لكل الأمراض والذي
يفهم من ظاهر الأحاديث ليس مراداً، وإنما المراد أن فيها شفاء لبعض الأمراض، فهو
من قبيل العام الذي يراد منه الخصوص، ومن قائل: أن الأصل حمل العام على عمومه ما
لم تكن هناك قرينة قوية صارفة، ولذلك رجحوا وجود خاصية الشفاء بها لكل الأمراض
وأثبتت الأبحاث الحديثة أن جهاز المناعة يملك تقديم العلاج الدقيق المتخصص لكل داء
يمكن أن يصيب الجسم، من خلال تنشيط المناعة النوعية متمثلة في الخلايا الليمفاوية
المنتجة للأجسام المضادة، والخلايا القاتلة المفصلة والمخصصة لكل داء. وأن للحبة
السوداء تأثيراً منشطاً ومقوياً لهذه المناعة، فيمكن بذلك أن يكون في الحبة
السوداء شفاء من كل داء، وبالتالي يمكن حمل ظاهر النصوص على عمومها. وسنتناول في
هذا البحث شرح علمائنا السابقين لهذه الأحاديث، ثم شرحاً مبسطاً لجهاز المناعة،
مشفوعاً بملخص لبعض الأبحاث التجريبية في أثر الحبة السوداء على هذا الجهاز، ثم
بيان وجه الإعجاز العلمي في هذه الأحاديث.
أولاً: النصوص الواردة وشرحها
ثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة عن
أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: عليكم بهذه
الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام (1) والسام: الموت. كما روى
البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام. قلت وما السام؟ قال: الموت(2). و في رواية المسلم: ما من داء إلا في
الحبة السوداء منه شفاء(3).
شرح العلماء السابقين
للأحاديث
اختلف علماء المسلمين الأوائل في تفسير
هذه الأحاديث بناء على معلومات عصرهم، فقال فريق منهم: أن العموم غير مراد وإنما
يراد به الخصوص. فقال المناوي فإن فيها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة ولكن لا
تستعمل في داء صرف بل تارة تستعمل مفردة وتارة مركبة حسب ما يقتضيه المرض وقال ابن
حجر العسقلاني مثل الكلام السابق وزارد في كل داء تقديره يقبل العلاج بها فإنها
تنفع من الأمراض الباردة وأما الحارة فلا.
وقال الخطابي: هو من العام الذي يراد
به الخاص لأنه ليس من طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع
في معالجة الأدواء بمقابلتها، وإنما المراد إنها شفاء من كل داء يحدث بسبب
الرطوبة. وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء لكل
داء من الحبة السوداء، فإن كان المراد بقوله العسل فيه شفاء للناس إنما يراد به
الأكثر الأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى. وأما صاحب كتاب تحفة الأحوذي
الذي حمل الأحاديث على عمومها فقال وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين
لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها إلا السام كقوله تعالى:( والعصر، إن الإنسان
لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ثم قال: قال أبو محمد بن أبي جمرة تكلم
الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوده إلى قوله أهل الطب والتجربة ولا خفاء بغلط
قائل ذلك، لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار علمهم غالباً على التجربة التي بناؤها ظن
غالب، فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى من كلامهم.
ثانياً: الجانب العلمي
1ـ الجهاز المناعي :
يتعرض الإنسان طبيعياً لأنواع مختلفة
من البكتريا والفيروسات والفطريات والطفيليات التي تغزونا عن طريق الجلد، أو مجاري
التنفس، أو عن طريق القناة الهضمية، أو عن طريق الأغشية المبطنة للعين، أو عن طريق
الجهاز البولي وتسبب عدة أمراض خطيرة فيما لو نفذت إلى الأنسجة العميقة في الجسم
بالإضافة إلى الأعداد التي تحيا طبيعياً في أجسامنا.
ولكن من رحمة الله بنا أن جعل لأجسامنا
نظاماً خاصة للدفاع عنه ضد الغزو الخارجي لهذه الكائنات الدقيقة وسمومها التي
تفرزها في الجسم، وهذا الجهاز يسمى جهاز المناعة. ويقوم الجهاز بوظيفتين متكاملتين
لمنع المرض والتخلص من مسببه الغازي للجسم، إما بتحطيمه بواسطة عملية البلعمة، أو
بإنتاج أجسام مضادة وخلايا متخصصة متوافقة مع تركيب كل كائن يغزو الجسم، وذلك
لضمان القضاء عليه بشكل نهائي.
2ـ الأبحاث العلمية:
ينتمي نبات النيجيللا
ساتيفا
Nigella sativa لفصيلة النباتات الشقيقية ومن الأسماء المتواترة لهذا النبات: الحبة السوداء،
الكراوية السوداء، الكمون الأسود، شونيز، كالااجاجي كالدودة، جيراكا، كاز، كارزنا.
وقد استعملت الحبة السوداء في كثير من دول اشرقين ـ الأوسط والأقصى ـ علاجا
طبيعياً منذ أكثر من ألفي عام وتم استخلاص مركب النيجيللون من زيت الحبة السوداء عام
1959م على يد الدخاخني وزملاؤه، وتحتوي بذور الحبة السوداء على 40% من وزنها زيتاً
ثابتاًو 1.4% زيوتاً طيارة، وتحتوي على خمسة عشر حمضاً أمينياً، وبروتين وكالسيوم
وحديد وصوديوم وبوتاسيوم، وأهم مركباتها الفعالة هي: الثيموكينون،
والدايثيموكينون، والثيموهيدروكينون، والثيمول l
(TQ) Thymoquinone (DTQ) dithymoquinone (THQ)
thymohydroquinone and (THY) thymol
لم يتضح دور الحبة السوداء في المناعة
الطبيعية حتى عام 1986م إلا بالأبحاث التي أجراها الدكتور القاضي وزملاؤه في
الولايات المتحدة الأمريكية. ثم توالت بعد ذلك الأبحاث في شتى الأقطار وفي مجالات
عديدة حول هذا النبات، غير أن الذي يهمنا في هذا البحث هو أثر الحبة السوداء على
جهاز المناعة وسنعرض خلاصة لهذه الأبحاث ممثلة في بحث القاضي ثم الأبحاث التطبيقية
التي جاءت بعده وأكدت نتائج بحثه.
الحبة السوداء وجهاز المناعة
أجرى الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه
بالولايات المتحدة الأمريكية(4) بحثاً عن تأثير الحبة السوداء على جهاز المناعة في
الإنسان وقد أجري البحث في دراستين كانت نتائج الدراسة الأولى:
زيادة في نسبة الخلايا اللمفاوية
التائية المساعدة Th إلى الخلايا الكابحة Ts بنسبة 55% وزيادة متوسطة في نشاط
خلايا القاتل الطبيعي Keller cells بنسبة 30% وقد أعيدت الدارسة مرة أخرى على
مجموعة ثانية من المتطوعين، وذلك لوقوع معظم المتطوعين في الدراسة الأولى تحت ضغوط
مؤثرة شخصية ومالية، وضغوط متعلقة بالعمل خلال فترة الدراسة، وذلك لتفادي عامل
الضغوط (الإجهاد) على جهاز المناعة. وقد أجريت الدراسة الثانية على ثمانية عشر
متطوعاً ممن تبدو عليهم أمارات الصحة، وقد قسم المتطوعون إلى مجموعتين:
مجموعة تناولت الحبة السوداء بواقع
جرام واحد مرتين يومياً، ومجموعة ضابطة تناولت الفحم المنشط بدلاً منها لمدة أربعة
أسابيع، وقد غلفت عبوات بذور الحبة السوداء في كبسولات متشابهة تماماً مع عبوات
الفحم، وقد ثبت من خلال هذا البحث أن للحبة السوداء أثراً مقوياً لوظائف المناعة:
حيث ازدادت نسبة الخلايا اللمفاوية التائية المساعدة إلى الخلايا التائبة الكابحة
إلى 72% في الوسط.
وحدث تحسن في نشاط خلايا القاتل
الطبيعي بنسبة 74% في المتوسط.
أما المجموعة الضابطة فحدث نقص 7% في
نسبة الخلايا المساعدة إلى الكابحة، وحدث تحسن 42% في نشاط خلايا القاتل الطبيعي،
وقد عزى هذا إلى قدرة الأغذية الطبيعية في إحداث أثراً في تقوية المناعة، بعد
امتصاص الفحم للكيماويات السامة في الطعام المهضوم والشراب.
وقد جاءت نتائج بعض الدراسات الحديثة
مؤكدة لنتائج أبحاث القاضي منها:
ـ نشرت مجلة المناعة الدوائية في عدد
أغسطس 1995م (10) بحثاً حول تأثير الحبة السوداء على الخلايا اللمفاوية المدمرة
للخلايا السرطانية الإنسانية في الخارج على عدة مطفرات، وعلى نشاط البلعمة لخلايا
الدم البيضاء متعددة النواة، وقد أثبت البحث تأثيراً منشطاً لمستخلص الحبة السوداء
على استجابة الخلايا اللمفاوية لأنواع معينة من الخلايا السرطانية، كما أثبت البحث
أيضاً أن مستخلص الحبة السوداء يزيد من إنتاج بعض الوسائط المناعية (انترليوكين 3)
من الخلايا اللمفاوية البشرية، عندما زرعت مع نفس الخلايا السرطانية السابقة بدون
إضافة أي منشطات أخرى.
كما أثبت البحث أيضاً أن الحبة السوداء
تزيد من إفراز انترليوكين نوع 1 ـ بيتا، مما يعني أن لها تأثيراً في تنشيط خلايا
البلعمة.
كما نشرت مجلة المناعة الدوائية في عدد
سبتمبر 2000م (11) بحثاً عن التأثير الوقائي لزيت الحبة السوداء ضد الإصابة cytomegalovirus بالفيروس المضخم
للخلايا في الفئران، حيث اختبر زيت الحبة السوداء كمضاد للفيروسات وقيست المناعة
المكتسبة أثناء الفترة المبكرة من الإصابة بالفيروس وذلك بتحديد خلايا القاتل
الطبيعي والخلايا البلعمية الكبيرة وعملية البلعمة. وبعد إعطاء زيت الحبة السوداء
للفئران، وجد تثبيط واضح لمعدلات نمو الفيروس في الكبد والطحال بعد ثلاثة أيام من
الإصابة، كما ازدادت معدلات الأجسام المضادة في المصل، ومع أنه انخفض كل من
عدد ونشاط خلايا القاتل الطبيعي في اليوم الثالث من الإصابة، إلا أنه حدثت زيادة
في أعداد الخلايا المساعدة التائية. وفي اليوم العاشر مع الإصابة لم يمكن تحديد أي
معدل لوجود الفيروس في الكبد والطحال، بينما وجد بوضوح في مجموعة التحكم.
وأظهرت هذه النتائج أن زيت الحبة
السوداء له خاصية مضادة للفيروسات المضخمة للخلايا والتي قيست من خلال ازدياد
وظيفة وعدد الخلايا اللمفاوية التائية المساعدة T cells (+) CD4 وزيادة الخلايا
البلعمية الكبيرة وتنشيط عملية البلعمة وزيادة إنتاج الإنترفيرون نوع جاما في
المصل.
ـ نشرت مجلة السرطان الأوربية في عدد
أكتوبر 1999م (12) بحثاً عن تأثير مركب الثيموكينون على سرطان المعدة في الفئران،
وقد أثبت البحث أن الزيوت الطيارة في بذور الحبة السوداء يعد عاملاً كيميائياً
قوياً واقياً ضد السرطان في المعدة، وقد عزى هذا لأن لها تأثيراً مضاداً للأكسدة
والالتهابات. كما نشرت مجلة أبحاث مضادات السرطان في عدد مايو 1998م (13) بحثاً عن
مستخلصات الحبة السوداء كمضاد للأورام السرطانية، وأثبت البحث أن مركبات
الثيموكيون والدايثيموكنيون لهما تأثير مدمر على أنواع عديدة من الخلايا السرطانية
البشرية.
ـ نشرت أيضاً مجلة الاثنو الدوائية في
عدد أبريل عام 2000م (14) بحثاً تطبيقياً آخر عن التأثيرات السمية والمناعية
للمستخلص الإيثانولي من بذور الحبة السوداء وثبت أن له تأثيراً سمياً قوياً على
بعض الخلايا السرطانية وتأثيراً قوياً ومنشطاً للمناعة الخلوية.
ـ نشرت نفس المجلة في عدد نوفمبر 1999م
(15) بحثاً عن تأثير الثيموكينون على متلازمة فانكوني ونشاط الخلايا السرطانية في
الفئران وأثبت البحث أن هذا المركب الموجود في الحبة السوداء له نشاط واضح مضاد
للأورام.
ـ نشرت مجلة النباتات الطبية في عدد
فبراير 1995م (16) بحثاً عن تأثير زيت الحبة السوداء الثابت ومركب الثميموكينون
على كرات الدم البيضاء، والأكسدة الفوقية للدهن في الأغشية المبطنة وثبت من خلال
هذا البحث صحة الاستخدام الشعبي للحبة السوداء ومنتجاتها في علاج الروماتيزم
والأمراض الالتهابية ذات العلاقة. كما ثبت أيضاُ أن لمركب النبحيلون تأثيراً
متوسطاً مثبطاً لإفراز الهستامين من الخلايا البلازمية في الدراسة التي نشرتها
مجلة الحساسية في عدد مارس 1992م (17).
ـ نشرت مجلة السرطان في عدد مارس 1992م
(18) بحثاً عن الخواص المضادة للأورام في بذور الحبة السوداء وأجرى البحث على
خلايا سرطانية مسببة للاستسقاء.
(EAC)Ehrlich
ascites rarcinoma (DLA) Daltpms Iymphonia ascites cells. (s-180) and sarcoma-
180
وقد توقف نمو هذه الأورام تماماً
داخل حيوانات التجارب بواسطة المواد الفعالة في بذور الحبة السوداء ويعتقد لحد
كبير أن مستوى التأثير وصل للحمض النووي دنا.
ـ نشرت مجلة الاثنو الدوائية في عدد
فبراير 2002م (19) بحثاً عن تأثير زيت الحبة السوداء على تليف الكيد الذي يحدث
نتيجة الإصابة بالبلهارسيا المعوية في الفئران.
وأثبت البحث أن لهذا الزيت تأثيراً
مضاداً لتدمير الخلايا الكبدية نتيجة الإصابة بديدان البلهارسيا، وقد تحسنت
أنزيمات الكبد تحسناً ملحوظاً، وانكمشت بؤر الإصابة ببيوض الديدان في الكبد
انكماشاً كبيراً، مما يعني أنه يمكن أن يكون لزيت الحبة السوداء دور في التحكم ضد
التغيرات التي تحدثها الإصابة بديدان البلهارسيا المعوية. وذكر الباحثون أن هذا
التحسن يمكن أن يعزي جزئياً إلى التحسن في جهاز مناعة العائل وإلى التأثير المضاد
للأكسدة في هذا الزيت.
ـ نشرت مجلة اثنو الدوائية في عدد
سبتمبر 1991م (19) بحثاً عن التأثير المضاد للميكروبات في بذور الحبة السوداء ثبت
من خلاله أن لها تأثيراً مثبطاً للجراثيم موجبة الجرام ممثلة في جراثيم المكورة
الذهبية، والتي قتل النوع الخطير منها تحت الجلد عندما عولج بالمستخلص حقنا، وكان
له تأثير مباشر على عدد من الجراثيم سالبة الجرام، أو معاضد لبعض المضادات
الحيوية.
وهناك عدة دراسات تعضد التأثير المضاد
للبكتيريا في مستخلص الحبة السوداء وخصوصاً الجراثيم موجبة الجرام. وغير ذلك من
الأبحاث في مجالات عديدة أخرى يمكن أن يفرد لها مقال آخر بإذن الله.
ثالثاً: وجه الإعجاز
أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن
في الحبة السوداء شفاء لكل داء، ووردت كلمة شفاء في صيغ الأحاديث كلها غير معرفة
بالألف واللام، وجاءت في سياق الإثبات فهي لذلك نكرة تعم في الغالب، وبالتالي يمكن
أن نقول أن في الحبة السوداء نسبة من الشفاء في كل داء.
وقد ثبت من خلال وصف الجهاز المناعة
أنه النظام الوحيد والفريد الذي يمتلك السلاح المتخصص للقضاء على كل داء، إذ تقوم
الخلايا البلعمية بعد التهام الجراثيم الغازية وهضمها بعرض قطع البكتريا المتحللة
(المستضد Antgenic) على سطحها، ثم تلتصق بالخلايا اللمفاوية لتعريفها على التركيب
الدقيق للميكروب، فتحث كلاً من الخلايا البائية B. والخلايا التائية T لإنتاج
الأجسام المضادة، أو خلايا T المتخصصة والخاصة بهذا المستضد الذي حفز
إنتاجهما. ويمتلك جدار الخلايا البائية حوالي 100 ألف جزئ من الأجسام المضادة،
والذي يتفاعل بخصوصية عالية مع النوع الخاص الذي سببه المستضد عند الميكروب، وكذلك
في الخلايا التائية حيث تكون المستقبلات البروتينية السطحية الكائنة في جدار
الخلية اللمفاوية والتي تسمى علامات الخلية.
(T.cell markers) متشابهة تماماً
للأجسام المضادة، وتتحد الأجسام والخلايا التائية المتخصصة اتحاداً تاماً مع
المستضد للميكروب فتبطل عمله أو تدمره، وبالتالي فهذه المناعة هي مناعة متخصصة لكل
كائن غريب يوجد داخل الجسم فلكل داء دواؤه المناسب
وبما أنه لا توجد مادة مركبة أو بسيطة
على وجه الأرض تملك خاصية المقدرة على التخلص من مسببات جميع الأمراض وشفائها حتى
الآن ـ فيما نعلم ـ وتعمل عمل جهاز المناعة، فعلين يمكننا القول بأنه الجهاز
الوحيد الذي يملك تقديم شفاء من كل داء ـ على وجه الحقيقة واليقين ـ بما يحويه من
نظام المناعة النوعية أو المكتسبة التي تمتلك إنشاء الأجسام المضادة، وتكوين سلاح
الخلايا القاتلة والمحللة المتخصصة لكل كائن مسبب للمرض.
وهذا الجهاز هو مثل بقية الأجهزة
ينتابه العطب والخلل والمرض، فقد يعمل بكامل طاقته وكفاءته أو بأقل حسب صحته وصحة
مكوناته، فمادام هذا الجهاز سليماً معافى في الجسم يستطيع القضاء على كل داء (يطلق
الداء إما على المرض أو على مسبب المرض).
وحيث أن هناك مواد خلقها الله سبحانه
وتعالى تنشط هذا الجهاز وتقوية، أو تعالج وتصلح ما فيه، فيمكن أن توصف بما يوصف به
هذا الجهاز نفسه. وبما أنه قد ثبت أن الحبة السوداء تنشط المناعة النوعية أو
المكتسبة برفعها نسبة الخلايا المساعدة والخلايا الكابحة وخلايا القاتل الطبيعي ـ
وكلها خلايا ليمفاوية في غاية التخصص والدقة ـ لما يقرب من 75% في بحث القاضي،
وبما أكدته الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية لهذه الحقيقة، حيث تحسنت الخلايا
الليمفاوية المساعدة وخلايا البلعمة، وازداد مركب الإنترفيرون، وتحسنت المناعة
الخلوية، وانعكس ذلك التحسن في جهاز المناعة على التأثير المدمر لمستخلص الحبة
السوداء على الخلايا السرطانية وبعض الفيروسات، وتحسن آثار الإصابة بديدان
البلهارسيا.
لذلك يمكن أن نقرر أن في الحبة السوداء
شفاء من كل داء لإصلاحها وتقويتها لجهاز المناعة وهو الجهاز الذي فيه شفاء من كل
داء، ويتعامل مع كل مسببات الأمراض، ويملك تقديم الشفاء الكامل أو بعضه لكل
الأمراض، كما أن ورود كلمة شفاء في الأحاديث بصيغة النكرة يدعم هذا الاستنتاج، حيث
تتفاوت درجات الشفاء تبعاً لحالة جهاز المناعة ونوع المرض وأسبابه ومراحله.
وبهذا يفسر العموم الوارد في الحديث
ويتوافق مع الأقوال السابقة لشرح الحديث، وهكذا تجلت الحقيقة العلمية في هذه
الأحاديث الشريفة والتي ما كان لأحد من البشر أن يدركها فضلاً عن أن يقولها ويحدث
الناس بها منذ أربعة عشر قرناً إلا نبي مرسل من الله، يتلقى معلوماته من العليم
بأسرار خلقه. وصدق الله القائل:( وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحي) النجم
آية 3 ـ 4.
تنبيهات مهمة:
(( يفيد منطوق ومفهوم نصوص الحبة السوداء أن فيها شفاء من الأمراض، فلا
ينبغي أن يتناولها الإنسان إلا عند إصابته بالمرض. وألا يدفع الحماس للسنة أن
يتناول الأصحاء كميات هائلة منها أو من زيوتها بلا ضابط طلباً للوقاية والحماية،
مما قد يؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها. ويجب أن يعرف المريض الجرعة الملائمة
لمرضه، وأقصى كمية يمكن أن يتناولها يومياً، وكيفية تناولها، وأن يعرف أفضل طريقة
للاستفادة منها، مفردة أو مركبة مجروشة أو صحيحة وذلك بإشراف طبيب. ))